نوستالجيا
نوستالجيا

شارع المنصور

   

عندما قررت الذهاب لشارع المنصور؛ في مكة المكرمة، للكتابة عن أهم شارع حيوي، يؤدي إلى المنطقة المركزية للحرم المكي؛  لم يخطر في بالي؛ أنني سأصادف من يحاول التنصل؛ من معرفته بالشارع؛ و انتماءه للمكان؛! وإن كان الأمر يدعو قليلاً للعجب؛ لا أن واقع حال الشارع واحداثه؛ أخرجته من إطاره الطبيعي. 

ديموغرافية الشارع؛ التي صبغته بالسواد الأفريقي، شكّل منذ السبعينات  حتى كتابة هذا التقرير، صورة مشوهة له؛وأصبح المنصور في الأذهان؛ مرادفاً لأعمال الشغب، والإنفلات الأمني، وتعتلي جبينه وصمة عار إيواءه  للخارجين عن القانون.

المنصور  اخذ تسميته؛ من إسم الأمير منصور بن عبد العزيز، وزير الدفاع في عهد الملك عبدالعزيز؛ الشارع الموغل في القدم يعود تاريخه؛ “لفجر الإسلام رغم أنه كان خارج النسيج العمراني والتجمع السكاني حينها”، كما أوضح عادل غباشي أستاذ التاريخ، والحضارة الإسلامية بجامعة أم القرى

كان يعد منطقة مزارع وآبار؛ وهو ما جعل منه وجهة “يلجأ إليها الناس للسكن؛ رغم أنها كانت خارج حدود الحرم المكي، إلا أن الشارع رسم لنفسه خطاً داخل الخارطة المكية؛ في بداية عهد الملك عبد العزيز”، لتبدأ كتابة أول سطور قصة شارع المنصور على المستوى الإجتماعي والتجاري

عبر بوابة الحج التي أدخلت جاليات من عرقيات مختلفة، تشابكت خطوطها مع قبائل عربية استقرت على طول الشارع، وداخل أزقته لتكون نسيجاً إجتماعياً وثقافياً؛ إلا أن ذاكرة المكان المحفوظة في بعض المباني، تقف شاهدة على عصور من أناقة المكان ورفاهيته

إنها القصور الملكية؛ التي تحول بعضها لمقرات حكومية، منها مستودع جمعية الهلال الأحمر حالياً؛  الذي شهد فصول من حياة الأميرة العنود بنت عبد العزيز؛ قبل أن يتحول مقراً للجمعية، ومركزاً للرعاية الأولية في الستينيات على مدى ثلاثة عقود

يأتي قصر خميس نصّار التاجر الفلسطيني الذي سكن المنصور؛ في دلالة واضحة على موازييك عرقي، شكّل هوية الشارع حتى وقت قريب؛ إلى جانب التحفة المعمارية لبيت اليغمور؛ قبل أن يصبح مقراً للشرطة

شارع المنصور الذي يضم على طول امتداده، حارات تجاوزت الثلاثين، تمت نسبتها للقبائل التي سكنتها؛ دون النظر للإنتماء العرقي، منها الهنداوية  وحارة يمن،، وحوش بكر، وحارة العبادلة الأشراف، والمكوار وحوش الهلال الأحمر

جرول، والرصيفة، والحفاير ، وخزاعة، وجبل غراب، والعلاقي ودحلة المغاربة، ؛ والتنضباوي، الأكثر شهرة؛ التي اشتقت اسمها من شجرة التنضب التي تكثر فيها، وهي امتداد لوادي طوى الذي بات فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ليلة فتح مكة؛ التنوع العرقي للشارع لم يمنع من  تشكيل ما يشبه مجتمعات الجيتو الإنعزالية في المنصور مؤخراً

ما منح المكان طابعه الأفريقي البحت، لتتنحى من الصورة القديمة كل القصور والبساتين؛ التي رسمت الخطوط الأولى للمنصور؛  الذي يضم سوقاً يشهد له تواجد بعض بيوت التجارة المكيّة،  أشهرها متجر عبد الغني الصايغ للذهب؛ إلا أن التيارات الأفريقية،  حولته إلى سوق شعبي، يتناسب مع صفة الجيتو

ولأن زيارة بسيطة للسوق، كفيلة بأن تكشف لك أفريقية المكان، ليس فقط في الوجوه السمراء التي تقابلك؛ بل في المنتجات بدءً من الأقمشة؛ التي تلوح كأعلام عند مداخل المتاجر والبسطات التي تقف عليها سيدات أفريقيات

رائحة البخور الأفريقي  التي تلف الشارع؛ تمنع كثيرين من  التجول فيه؛ إلا أن رائحة الشواء التي تعطر نسمات ليل الأزقة الضيقة وأسرارها، عبر حفلات السيريه “اللحم المشوي على الطريقة الأفريقية”؛ تحمل آخرين على دخول دهاليز المنصور.

كتبته

أميمة الفردان

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *